نوافذ
أيمن خالد دراوشة / الدوحة / قطر
قصص قصيرة جداً
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, ,,,,
نافذة (1)
(يرمم نافذة أغلقت بالصفيح) .أغلقها قبل شهر.. وربما قرن . في الخارج .. لم يعد ثمة ما يغريه . تغير كل شيء . أفاق . نافذته كانت مشرعة ، وكانت الشجرة قد اختفت، المرأة ،التي تحتل النافذة المقابلة،ضائعة.. أو هكذا رآها قبل أن تقفل نافذتها وتغيب .بدا الشارع مقفراً إلاّ من بعض أشباح تتراكض باتجاهات شتّى ، وبقى هو..جالساً خلف نافذته .تركها مفتوحة تلك الليلة ، وفي الصباح قرر أن يغلقها ،أوصدها أولاً من الداخل ،ثم أحضر قطعة صفيح غطى بها الشباك من الخارج . كان ذلك قبل شهر .. وربما قرن .
صحا بعد شهر ، وربما بعد قرن أو قرون . أحسّ أن ذاكرته تخونه ، أشرع نافذته ، وعلى الصفيح...بدأت أستعيد ذاكرتي /يرممها . رسم النافذة المقابلة .الجسد الذي اعتاد رؤيته فيما مضى ، وضعه في الزاوية ذاتها / الوجه .. رسمته كما كنت أراه ، مشرقاً /إلا أنه ، وفي فترات انشغاله بمكان آخر من اللوحة، كان ينظر إليه فيجده غائماً بشدة .. مزحوماً... بحث عن غريمه الذي يفسد عليه متعته ، وإذا لم يجد أحداً عاد ورسم الغم ضاحكاً ،أظهر أسنانه ، ثم وجده عابساً /رسمته من جديد / ولما بدأت ابتسامته تضمحل شطبه . محا الوجه كله .. أخفاه . حاول أن يرسم شيئاً آخر . بدت خطوطه عاجزة . اقتنع أخيراً . أن ذاكرته تخونه .طلى الصفيح كله بالبياض وبدأ بإحداث ثقوب يمكنه من خلالها النظر إلى الخارج بوضوح.
نافذة (2)
وحيداً وجد نفسه ، بعد أن هدأ ضجيج الأبواب ، والخطوات المبتعدة ، داخل غرفة قذرة تحيطها جدران أربعة وباب موصد . بقع بول جافة تنتشر على الأرض الخرسانية .
على الجدران .. حفرت عبارة للذكرى ،أسماء، رسوم عادية، تواريخ ، وخطوط عريضة .
قبل أن يفعل أي شيء آخر .. تناول مسماراً أبصره في إحدى زوايا الغرفة، رسم نافذة واسعة على الجدار .. ولكنه رسمها مغلقة ... تراجع متأملاً سأفتح نافذتي في الصباح) . ورمى المسمار في زاوية من زوايا الغرفة.
نافذة (3)
(كان يبحث عن قدميه لينهض). أرقبه بحذر من تحت طرف الغطاء . إنَّه يفعل ذلك يومياً دون أنْ يشعر أنَّ ثمة مَنْ يراقبه : يجلس , يزيل الغطاء عن جسده الذابل , يبحث عن قدميه وسط ظلمة يخترقها بصيص ضوء متسلل عبر الكوة المستطيلة الضيِّقة في الباب الحديدي الموصد دائماً .
حوله تتبعثر الأجساد بفوضى تامة , تلتقي رؤؤسها في منتصف القاعة . في الصيف .. كنَّا ننقل رؤؤسنا إلى الخط الواصل بين النافذة الوحيدة في الجدار المواجه للباب والكوة المستطيلة الهزيلة , نفعل ذلك هرباً من جحيم الجدران إلى نسمات قد تتسلل بحذر في فترات تبديل وجبات الحراسة في الخارج . لم نجد قدميه بعد . كنت أبحث معه دون أنْ يراني . الرجل الأعمى في الركن يشخر كعادته . بطنه المنتفخ يعلو ويهبط برتابة مملة . وحده يشعرك بوجوده , فيما تتلاشى بقية الأجساد تحت أغطيتها الثقيلة .
ينهض هذه المرة دون قدميه . يطير إلى النافذة الشرقية اليتيمة . يلتصق بها . في الأفق ... بقايا ليل تحزم أمتعتها . يظلِّل عينيه بكفه وينظر . كان كل صباح , يهتف: "أهلاً , أهلاً" مستقبلاً جموعاً وهمية تزحف من الشرق .. تطلقه إلى مدن مضاءة , هواء حيّ , تخلِّصه من دفقة حارس على رأسه حتى وهو يقضي حاجته . إلَّا أنَّه بقي صامتاً حتى اشتعل الأفق دماً . طار إلى فراشه . غيَّبته أغطية رثة . تململ لحظات ثُمَّ هدأ تماماً . بقية الأجساد بدأـْ تتحرك . كان هو ساكناً .. والرجل الأعمى , في الركن , يشخر..كعادته.
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, ,,,,,,,,,,,,,,,,*